Monday, January 30, 2006

في مسؤوليّةِ الإعلام الحرّ

نشرَت "كلّنا شركاء" مقالاً لي في عددها الصّادر في 28 كانون الثاني 2006. أريد هنا أن أشكر السيد أيمن عبد النور محرّر النشرة لقبوله مقالي كما هو. هاكم رابط للمقال ثُمّ نصّه الكامل


http://www.allforsyria.org/show.php?eid=12004


في مسؤوليّةِ الإعلام الحرّ

"مَن هو ميليس" كَمِثال


كَم دُهشت أنا القارئ المواظب لِنشرة "كلّنا شركاء" عندما اطّلعتُ على مقال خالد خزعل "من هو ميليس" في عددها الصّادر في 16 تشرين الثاني 2005. و لَم أكن لأهتمَّ بالمقال لولا أنّه وَرَدني مِراراً منذ ذلك التاريخ مِن أصدقاءٍ عديدين أثلج صدورَهم ما بدا كتعرِيَةٍ لنوايا دتلِف ميلِس عبر كشفٍ منهجيٍّ لتاريخ الرّجُل و لنواياه.


المآخذ على مقال "مَن هو ميليس"

لقد عثرتُ على أخطاء كثيرة وقع فيها نصُّ خالد خزعل مضموناً و أسلوباً هاكُم عيِّنات منها صنّفتُها في ثلاث فئات.

ا – بعض التواريخ لا أساس لها من الصّحّة، فالكاتب يصف عام 1947 بأنّه "سنة النكسة وقيام الكيان الصهيوني" و معلومٌ أنّ ما نسمّيه النّكسة هو هزيمة حزيران 1967 لا إعلان دولة إسرائيل، ثُمّ إنّ تلك الدّولة لم تقم في سنة 1947 و إنّما في سنة 1948 الّتي اصطُلح على تسميتها سنة النّكبة. و المضحك في الأمر أن دتلف ميلِس من مواليد عام 1949 حسب جميع المصادر و منها موسوعة الإنترنت ويكيبيديا [1] أي بَعد العام الّذي يزعم المقال أنّ ميلِس ولِد فيه بسنتين.

ب – مصادر المقال على ندرتها غير موثوقة. فمثلاً لا يورِد خالد خزعل في مقاله أيّ مصدرٍ يدعم مزاعمه عن طفولة القاضي و شبابه ولا يستشهد إلاّ بجملةٍ يتيمةٍ ينسبها إلىدتلف ميلِس يتحدّث فيها عن كرش أبيه المنتفخ تاركاً إيّانا حائرين في صحّة ذلك الاستشهاد و في علاقة الكرش المُشار إليه بالتّحقيق في مَقتل رفيق الحريري. أمّا زَعم خالد خزعل عن يهوديّة أمّ ميلِس و عن مصرَعها على الجبهة السّوريّة في خلال حرب عام 1967 فقَد فنّده المعنيّ بنفسه عندما بيَّن أنّ أمَّه مسيحيّةٌ ما زالت حيّةً تُرزق في برلين مُثبِتاً بذلك أَنْ لا أساسَ لتلك القصّة. و بذلك يَسقُط أيضاً ما رواه كاتب المقال عن زيارة ميلِس قبرَ أمه في هضبة الجولان "بمروحية تابعة للجيش الإسرائيلي" ليُصلّي لها "صلاة المسيحية لا أدري أم يهودية".

و تجنُّباً لإساءة الظّن بالسّيّد خزعل بَحَثتُ عن وثيقةٍ رُبما استخدمَها تُطابِق مزاعمَه عن والدة دتلف ميلِس فعثرتُ على إشاراتٍ إلى مقالٍ كانت قد نشرَته "الجمهوريّة" المصريّة يدّعي فيه كاتبه أنّ المذكورة يهوديّة ساندت الصّهيونيّة و أنّ رصاصة قنّاصٍ سوريٍّ نَقلَتها إلى العالَم الآخر في 1967. ولكنّي لم أعثر على أيّ مصدرٍ يسبقُ "الجمهوريّة" ممّا يرجّح احتمال اختلاقها لتلك القصّة اختلاقاً، و لعلّ خالد خزعل نَقَل عنها بكثيرٍ من التصرُّف.

إن بُطلان بعض مزاعم المقال يلقي بظلال الشّكّ على أغلب ادّعاءاته المتبقّية من علاقة أبي ميلِس بالماسونيّة إلى إسهام الابن في صياغة اتّفاقات أوسلو مروراً بالوسام الذي منحه موشي دايان للأمّ، و لستُ هنا في معرض التحقيق المفصَّل في مزاعم كان من واجب كاتبها أن يدعمَها هو.

أمّا الشّعرة الّتي قصمت ظهر البعير فهي إقحام "بروتوكولات صهيون"، و ظنّي أن خالد خزعل قصَدَ "بروتوكولات حكماء صهيون"، في الموضوع مع أنّ المؤرّخين تُجمِع أغلبيّتهم السّاحقة على أنّ ذلك الكتاب مُلفَّق من ألِفه إلى يائه [2]، و أضعفُ الإيمان ألاّ يَستشهد المرء بمرجعٍ مشكوكٍ فيه إلى ذلك الحدّ.

ج – يحفل المقال بعددٍ من الأخطاء اللغويّة يجعل القارئ يشكّ في أنّ الكاتب له أيّ باعٍ في التحقيقاتٍ الصحفيّة إذ أنّ سبقاً صحفيّاً من نوع إماطة اللثام عن تاريخ قاضٍ معروف لا بُدّ أن يمرَّ بأكثر من مراجعةٍ قبل أن يُنشَر، فكيف بقيَت هذه العثرات كلّها؟ كيف يعود ميلِس إلى ألمانيا "مشتكياً إلى أباه" بدلاً من أن يعود "مشتكياً إلى أبيه"؟ و لِمَ "انتقل أباه للجانب الغربي من ألمانيا" في حين يُقال "انتقل أبوه إلى الجانب الغربي من ألمانيا"؟ و هل تَخرّج من مدرسة الحقوق محامياً "ناقماً على قتلة أمه السوريون" أَم "ناقماً على قتلة أمه السوريين" بِغَضّ النظر عن أنّها ما زالت حيّة؟


هل من سبيلٍ إلى تجنُّب نشر المقالات المضلِّلة؟

إنّ مَبعثَ دهشتي الحقيقيّ ليس الأخطاءَ الكثيرة الّتي وقع فيها نصُّ خالد خزعل بِقَدر ما هو قبول "كلّنا شركاء" نشره بالشّكل الذي جاء عليه. إنّ من يحرِص مثلي على انتشار الإعلام السّوريّ الحرّ، أعْني المستقلّ عن الجريدة الوطنيّة الرّسميّة الثّلاثيّة "الثّورة/البعث/تشرين"، يُدرِك أنّ على ذلك الإعلام اليافع أن يَجهد يوميّاً للحفاظ على مصداقيّته كمِنبرٍٍ لا يشوبه ما شاب الصّحافةَ الرّسميّة من خطاباتٍ فارغةٍ و ادّعاءاتٍ لا سنَدَ لها. و انطلاقاً من قناعتي تلك و من إيماني بأنّ نشرة "كلّنا شركاء" تجربةٌ رائدةٌ في هذا المجال يجب أن تنموَ بفضل سمعةٍ مبنيّةٍ على الجدّيّة دَعوني أتقدّم بثلاثة اقتراحات:

أوّلاً – أن تتحقّق نشرة "كلّنا شركاء" منهجيّاً من محتوى التّحقيقات الواردة إليها قبل إرسالها إلى القرّاء، و أقصد هنا المقالات الّتي يتوخّى كاتبوها الكشف عن معلوماتٍ لا مقالات الرأي. و تجنُّباً لإلقاء عبءٍ جديد على كتفَي الأخ أيمن عبد النّور لِمَ لا تُشكَّل لجنةٌ من القرّاء لمراجعة هذه التّحقيقات؟ أنا متطوّعٌ منذ الآن!

ثانياً – أن تُرفق نشرة "كلّنا شركاء" كلّ تحقيقٍ يأتي بزَعمٍ مشكوك فيه و تَعذَّر التأكُّد منه بتعليقٍ يوضح ذلك و ينصح القارئ بالحذر، و قد لاحظتُ أنّ النّشرة بدأَت فعلاً بإضافة هذا النّوع من التّعليقات كما فَعلَت في عددها المؤرَّخ 19 كانون الثّاني 2006 تذييلاً لمزاعم عن جمال دانيال.

ثالثاً – أن ينشرَ السيّد خالد خزعل اعتذاراً عن مقالِه المضلِّل. ففضلاً عن أنّ الذّمَّ على أُسسٍ ركيكةٍ ليس بديلاً لتحليلٍ رصينٍ لتقرير ميلِس الذي أرى فيه من الفرضيات الواهنة و التهافت ما يكفي للطعن بمهنيَّة ذلك القاضي التي طُبِّل لها و زُمِّر، مَنحَ مقالُ خالد خزعل أبواقَ الدّعاية صّهيونيّة الهوى فرصةً ذهبيّةً للتشهير بالسّوريّين و للزّعم أنّهم سُذَّجٌ يصدّقون أيّ نظريّة مؤامرةٍ مِحورها دتلف ميلِس و يكرهون تلقائيّاً كلّ ما هو يهوديّ [3].

خِتاماً آمَل أن نسهم جميعاً، صحفيّين و أصحاب رأي و قرّاء، في أن يُتابع الإعلام السّوريّ المستقلّ مسيرتَه الشّجاعة، فنحن بحاجةٍ إليه نظيفاً جادّاً أكثر من أيّ وقتٍ مضى.


Gottfried Stutz

البريد الإلكترونيّ gottfried_stutz@yahoo.com

----------

[1] http://en.wikipedia.org/wiki/Detlev_Mehlis

[2] http://en.wikipedia.org/wiki/Protocols_of_the_Elders_of_Zion

[3] انظر الصفحة http://memri.org/bin/articles.cgi?Page=archives&Area=sd&ID=SP104705

و الصفحة

http://web.israelinsider.com/Articles/Diplomacy/7250.htm

ثمّ

http://hnn.us/blogs/entries/19198.html

و

No comments: